وقد سُئل الشيخ عبدالعزيز ابن باز - نفع الله بعلمه - عن ظاهرة إرتفاع الأصوات بالبكاء .. فأجاب: لقد نصحتُ كثيراً ممن اتصل بي بالحذر من هذا الشيء، وأنه لا ينبغي، لأن هذا يؤذي الناس ويشقُ عليهم، ويُشوش على المصلين وعلى القارئ، وهذا ما يلاحظ في بعض المساجد في رمضان حيث يكون الوضع مزعجاً جداً، وكثير من الناس لايستطيع أن يفهم قراءة الإمام ولا يسمع صوته وسط زعيق وصياح بعض الناس، وهذا ليس من الخشوع في شيء.. ولاهو طريقة النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة. لقد كان بكاؤه عليه الصلاة والسلام بكاءً مكتوماً، وما كان صياحاً ولا زعيقاً. فالذي ينبغي للمؤمن أن يحرص على أن لا يُسمع صوته بالبكاء، وليحذر من الرياء، فإن الشيطان قد يجره إلى الرياء، فينبغي له أن لا يؤذي أحداً بصوته. ومعلوم أن بعض الناس ليس ذلك باختياره بل يغلب عليه من غير قصد وهذا معفوٌّ عنه إذا كان بغير اختياره. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا قرأ يكون لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وجاء في قصة أبي بكر أنه إذا قرأ لايُسمع الناس من البكاء إلى آخره. ولكن ليس معنى هذا أن يتعمد رفع صوته بالبكاء. وإنما شيء يغلب عليه من خشية الله عزوجل.
كذلك سئل الشيخ عن التباكي فأجاب: ورد في بعض الأحاديث:
((إن لم تبكوا فتباكوا))، ولكن لا أعلم صحته وقد رواه أحمد. إلا أنه مشهور على ألسنة العلماء، لكن يحتاج إلى مزيد عناية، والأظهر أنه لا يتكلف، بل إذا حصل بُكاء فليجاهد نفسه على أن لايزعج الناس، بل يكون بكاء خفيفاً ليس فيه إزعاج لأحد،حسب الطاقه والإمكان.
والمهم أن يحضر الانسان قلبه عند التلاوة ولا يذهب يمينا وشمالا: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ كَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ مِنْ أَفَاضِلِ النَّاسِ وَكَانَ يَقُولُ لَوْ أَنِّي أَكُونُ كَمَا أَكُونُ عَلَى أَحْوَالٍ ثَلاثٍ مِنْ أَحْوَالِي لَكُنْتُ، حِينَ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَحِينَ أَسْمَعُهُ يُقْرَأ،ُ وَإِذَا سَمِعْتُ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ وَإِذَا شَهِدْتُ جِنَازَةً وَمَا شَهِدْتُ جِنَازَةً قَطُّ فَحَدَّثْتُ نَفْسِي بِسِوَى مَا هُوَ مَفْعُولٌ بِهَا وَمَا هِيَ صَائِرَةٌ إِلَيْهِ.
27- أنه يتدبر عند تلاوته:
وهذا الأمر يكاد أن يكون أهم آداب التلاوة على الإطلاق وهو الثمرة الحقيقية للتلاوة.. التدبر عند تلاوة القرآن الكريم, وقد قال الله تعالى:
كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب وهو لا يحصل إلا لمن تفكر في كلام الله عز وجل واستحضر عظمته سبحانه وتعالى وتأمل في مخاطبات القرآن واستحضر أنه يقرأ مريدا التفهم والعمل بالمتلو. أما أن يقرأ القرآن بلسانه وقلبه في واد آخر فلا تحصل له الثمرة المرجوة من تلاوة القرآن.
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها . ((عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْت:ُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ. فَمَضَى فَقُلْت:ُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَتَيْن.ِ فَمَضَى فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَة.ٍ فَمَضَى فَافْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ..)) الحديث النسائي.
قُلْتُ لِعَائِشَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ نَاسًا يَقْرَأُ أَحَدُهُمْ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً فَقَالَتْ أُولَئِكَ قرؤوا وَلَمْ يقرؤوا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ اللَّيْلَةَ التَّمَامَ فَيَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ وَسُورَةَ النِّسَاءِ ثُمَّ لا يَمُرُّ بِآيَةٍ فِيهَا اسْتِبْشَارٌ إِلا دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَغِبَ وَلا يَمُرُّ بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ إِلا دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتَعَاذَ.
لقد حدّثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوارج بأنهم قوم يقرؤون القرآن لا يُجاوز حناجرهم. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثٍ))وعَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ جَالِسَيْنِ فَدَعَا مُحَمَّدٌ رَجُلاً فَقَال:َ أَخْبِرْنِي بِالَّذِي سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ فَقَالَ الرَّجُل:ُ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ أَتَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ لَهُ كَيْفَ تَرَى فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي سَبْعٍ فَقَالَ زَيد: حَسَنٌ وَلأنْ أَقْرَأَهُ فِي نِصْفٍ أَوْ عَشْرٍ أَحَبُّ إِلَي:َّ وَسَلْنِي لِمَ ذَاك؟َ قَال:َ فَإِنِّي أَسْأَلُك.َ قَالَ زَيْدٌ: لِكَيْ أَتَدَبَّرَهُ وَأَقِفَ عَلَيْه ,أخرجه مالك في الموطّأ وإنما يُتدبّر للعمل عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْ كَانَ يُقْرِئُنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ فَلَا يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الأخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالُوا فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ.
18- التلاوة بين الجهر والإسرار:
أما قضية الجهر بالقرآن فقد وردت فيها أحاديث مثل قوله صلىالله عليه وسلم في الصحيحين:
((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهرُ به))، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمُسر بالقرآن كالمسر بالصدقة)).فيجمع بينهما بما ذكره الإمام النووي قال: الجمع بينهما أن: الإخفاء أفضل حيثُ خاف الرياء، أوتأذّى المصلون، -حيث أنه يلبّس على المصلين صلواتهم أو القارئين قراءتهم أو يوقظ النائم - فعند ذلك يكون الإسرار أفضل. والجهر أفضل في غير ذلك لأن العمل فيه أكثر من رفع صوت و بذل طاقة وجهد، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمعُ همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه - فيستفيد القارئ ذاته ويكون أكثر تركيزاً، وأطردَ للشيطان وأبعد للنوم وأدعى للنشاط.
وكان ـ أبو بكر يُسر وعمر يجهر فسئل عمر فقال: أطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان فأمر أبوبكر أن يرفع شيئا ما، وأمر عمرأن يخفض شيئاً ما. ولاحرج في أن يجهر القاريء بالقرآن فترةً فإذا تعب خفض صوته ثم يجهر مرّةً أخرى إذا تنشّط.
19- القراءة في المصحف و القراءة من الحفظ :
جاء مدح القراءة من المصحف في حديث صحيحٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال عليه الصلاة والسلام:
((من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف)) صححه الشيخ ناصر. فهذا دليل على فضل القراءة في المصحف، فالقراءة في المصحف مشروعة.
20 ـ حكم القراءة عند التثاؤب أوخروج الريح:
إذا كان يقرأ فخرجت منه ريح أمسك عن القراءة حتى تنقضي الريح ـ ثم الأفضل أن يتوضأ لمواصلة القراءة وكذلك لو عُرض له تثاؤب فإنه يُمسك عن القراءة لأجل التثاؤب حتى لا يتغير الصوت وتخرج الكلمات غير كلمات القرآن.
21ـ سجود التلاوة:
فإذا مرّ بسجدة للتلاوه سجد،
وقال أبو حنيفة بالوجوب والراجح قول عمر رضي الله عنه: أن سجود التلاوة مستحب وليس بواجب وهو قول جمهور العلماء. وصفة السجود أن يكبّر ويسجد.
وذكر شيخ الاسلام - رحمه الله - أن الأفضل أن نكون في حال القيام، لأن قول الله تعالى:
ويخرون للأذقان الخرُّ يكون من الوقوف أو القيام.
فإذا سجد يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى قياساً على الصلاة، و قد ورد أيضاً دعاء صحيح ثابت في الترمذي وابن خزيمة أن رجلاً قال
: ((يارسول الله إني رأيتني الليلة أصلي خلف شجرة فقرأت السجدة، فسجدت الشجرة بسجودي، فسمعتها وهي تقول: اللهم اكتب لي بها أجرا، وضع عنّي بها وزرا، واجعلها لي عندك ذُخرا، وتقبّلها مني كما تقبلت من عبدك داود، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم السجدة بعد ذلك ثم سجد قال ابن عباس: فسمعتهُ يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة)). وجاء في روية أخرى:
((وارفعني بها درجة)).
23- استقبال القبلة:
24- أن يكون حال القراءة على هيئة الأدب ما أمكنه:
يجوز للقارئ أن يقرأ القرآن قاعداً أو واقفاً أو ماشياً أو مضطجعاً، كل ذلك جائز، لأن الله تعالى قال:
الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض [آل عمران:191] لكن لو جلس متخشعاً كان أفضل من أن يجلس متكئاً على جنبه مثلاُ، فمن ناحية الجواز لا بأس بذلك، لكن الأفضل أن يجلس جلسة المتخشع المتذلل. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتربّع بعد صلاة الفجر ويستقبل القبلة يذكر الله حتى تطلع الشمس. ومن آداب التلاوة كذلك.
25- أن لايُطيل العهد بالقرآن:
فتمر عليه سنوات لا يختم القرآن، والقرآن لا يُقرأ في أقل من ثلاث و لكن لا يُطال عنه العهد. وقد جاءت عدة أحاديث في ذلك. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لشخص
: ((اقرأ القرآن في أربعين))، وقال:
((إقرأ القرآن في خمس))، وقال:
((إقرأ القرآن في ثلاث إن استطعت))، وقال:
((كل شهر إقرأه في عشرين ليلة، إقرأه في عشر، إقرأه في سبع، ولاتزد عن ذلك )). هذه الروايات المختلفة تدل على أن الناس طاقات، أشغالهم مختلفة، وجودة تلاوتهم وسرعتها و تمكنهم. كل ذلك يختلف. إذاً كلٌ يقرأ بحسب طاقته وأشغاله، لكن أكثر شي كما ورد:
((أقرأ القرآن في أربعين)). ولعل أفضل مايكون قراءته في أسبوع كما ورد عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وأنهم كانوا يختمونه في أسبوع بحيث يقسّمون القرآن سبعة أحزاب.
16- أن لايقرأ القرآن في أقل من ثلاثة أيام:
لقوله صلى الله عليه وسلم:
((لا يفقهُ من قرأ القرآن في أقل من ثلاث))، كما روى ذلك أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر مرفوعاً.
26- الوقوف عند رؤوس الآي:
من أدب التلاوة الوقوف عند رؤوس الآي وإن تعلقت في المعنى بما بعدها، لأنه قد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:
((أنه كان يُقطِّع قراءته آية آية. الحمد لله رب العالمين، ثم يقف،الرحمن الرحيم ثم يقف)).
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ كَانَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين %َ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.
وعن حَفْصَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّكُمْ لا تَسْتَطِيعُونَهَا قَالَ: فَقِيلَ لَهَا: أَخْبِرِينَا بِهَا؟ قَال:َ فَقَرَأَتْ قِرَاءَةً تَرَسَّلَتْ فِيهَا قَالَ أَبُو عَامِر:ٍ قَالَ نَافِعٌ فَحَكَى لَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ثُمَّ قَطَّعَ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ قَطَّعَ
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.
فإذا لو قرأ مثلاً:
فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون فلا يجب أن يصل بل إنّ السُّنة أن يقف على رأس الآية وإن تعلقت في المعنى بما بعدها، لكن لا يقطع التلاوة، فلا يقل:
فويل للمصلين ثم يركع. بل يتم الآية التي بعدها لأن المعنى متعلق بها، إنما السنة في التلاوة أن يقف على رؤوس الآيات.
28-السعي إلى حفظه:
على المسلم أن يسعى إلى حفظ كتاب ربّه وتكراره، لأنه أعون على التدبر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((إذا جُمع القرآن في إهاب لم يحرقه الله بالنار)). والإهاب: الجلد، والمقصود جسد الحافظ. فحفظ كتاب الله من أسباب التحريم على النار.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا)).يقال: أي عند دخول الجنة (لصاحب القرآن): أي من يلازمه بالتلاوة والعمل لا من يقرؤه ولا يعمل به (اقرأ وارتق): أي إلى درجات الجنة أو مراتب القرب (ورتل): أي لا تستعجل في قراءتك في الجنة التي هي لمجرد التلذذ والشهود الأكبر كعبادة الملائكة (كما كنت ترتل): أي في قراءتك, وفيه إشارة إلى أن الجزاء على وفق الأعمال كمية وكيفية (في الدنيا): من تجويد الحروف ومعرفة الوقوف (فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها):
يقال للقارئ: اقرأ وارتق الدرج على قدر ما تقرأ من أي القرآن, فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة, ومن قرأ جزء منها كان رقيه من الدرج على قدر ذلك, فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة انتهى. وقال الطيبي: إن الترقي يكون دائما فكما أن قراءته في حال الاختتام استدعت الافتتاح الذي لا انقطاع له. كذلك هذه القراءة والترقي في المنازل التي لا تتناهى, وهذه القراءة لهم كالتسبيح للملائكة لا تشغلهم من مستلذاتهم بل هي أعظمها (عون المعبود(.
29- التلقّي عن أهل العلم:
من آداب قراءة القران تلقيه عن أهل العلم المجيدين فيه المجوّدين له، ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عن أشخاص معَّينين إذ قال في الحديث الصحيح:
((خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة)).
30- التجويد:
والتجويد عرّفه العلماء بأنه إقامة الحروف ومعرفة الوقوف، وقد جاء في الحديث عن أم سلمة وصفٌ لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم:
((أنها تنعت قراءته مفسرة حرفاً حرفاً)) رواه النسائي.
فالقراءة الصحيحة ليس فيها أكل للحروف، ولا تغيير حرفٍ بحرف، فتصبح الضاد دالاً إذا رقّقتها، أو تصبح السين صاداً إذا فخّمتها، أو تُصبح التاء طاءً إذا فخّمتها، أو الطاءُ تاءً إذا رققتها. فإذا غُيرت صفات الحروف تغيرت الكلمة بالكليّة. ولذلك لا بدّ من معرفة صفات الحروف والإتيان بها، والتمرين على يدّ مُتقن حتى يقرأ القرآن كما أنزل.
31- أن لا يقطعها لكلام الناس:
بل إذا أراد أن يُكلم أحداً، يُنهي الآية، أو يُنهي السورة ثم يُكلّم. وإن أجبرته الحاجة إلى أن يتكلم فليُنهِ الآية أولاً ولا يتكلم أثناء الآية، بل ينتظر حتى يكمل الآية، فإذا تكلم مع أحد بكلام من كلام الدنيا فليرجع وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يشرع في القراءة مرّةً أخرى. ففي الصحيح كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه. وكذلك لا يضحك أثناء قراءته ولا يعبث ولا ينظر إلي ما يُلهيه.
32- تعاهد الحفظ:
من الإمور المهمة تعاهد الحفظ لقوله صلى الله عليه وسلم:
((استذكروا القرآن فإنه أشد تقصياً من صدور الرجال من النعم في عُقلها)).
فالإبل إذا ربطت تحاول الشرود والهروب والتمرد، ولذلك ينبغي تعاهد القرآن لأنه أشد هرباً من صدور الحفَّاظ من الإبل من عُقلها.
33-عدم الجدال في القرآن بالباطل:
قال عليه الصلاة والسلام:
((إقرأوا القرآن ما أئتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا))، لأن البقاء يؤدّي إلى العبث بآيات الله، وقال صلى الله عليه وسلم:
((أما إنه لم تهلك الأمم قبلكم حتى وقعوا في مثل هذا، يضربون القرآن بعضه ببعض)).وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الجدال بالباطل، فقال في الحديث الصحيح
: ((الجدال في القرآن كفر)) وقال
: ((المراء في القرآن كفر)). ونهى عن الجدال في القرآن كذلك فقال:
((لا تجادلوا في القرآن فإن جدالاً فيه كفر)) فلا ينبغي أن تجعل آيات الله مداراً للجدل.
34-عدم استعمال القرآن في غيرما أُنزل فيه:
لا يجوز استعمال القرآن في غير ما أُنزل فيه، كالذين يقولون إذا أرادوا الطعام:
آتنا غداءنا [الكهف:62]. أو ألاّ يتكلم إلا بالقرآن ونحو ذلك، فهذا بدعة.
قال في المغني: "لا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً من الكلام". يعني كل ما أراد أن يتكلم بكلمة أتى بشيء من القرآن.